الشارقة : شادي صلاح الدين
طرح الدكتور عبدالإله بلقزيز، أمين عام المنتدي المغربي العربي، مدير «مركز دراسات الوحدة العربية» في بيروت سابقاً، رؤيته للديمقراطية والعلاقة بين الدولة والمجتمع في الوطن العربي، وأيهما يصنع الآخر، مشدداً على أن (المجتمع والدولة)، ليسا كيانين متقابليْن متعارضين، لأن- والكلام للدكتور بلقزيز – لا مجتمع بدون دولة، وحاول الدكتور عبدالإله بلقزيز فك الالتباس بين المقولات التقليدية في الواقع العربي.
جاء ذلك في الجلسة الأولى من المؤتمر السنوي السادس عشر، لمركز الخليج للدراسات، الذي بدأ فعالياته، أمس السبت، بمقر دار الخليج للصحافة والطباعة والنشر، فيما ترأس الجلسة محمد المر، رئيس المجلس الوطني الاتحادي السابق، والذي استهل بالتأكيد على أن مؤتمر «الخليج» يعد من أهم منابر التعبير عن الرأي، نظراً لما يتناوله من موضوعات حيوية ومهمة.
قال الدكتور عبدالإله بلقزيز في الجلسة التي حظيت بمشاركة العديد من الباحثين، إن البلاد العربية مرت في تاريخها المعاصر بفصلٍ جديد من العلاقة بين الدولة والمجتمع، المعارضة والسلطة.
وأوضح أنه لا يوجد في الفكر السياسي الحديث ما يسوِغ الكلام على المجتمع والدولة بحسبانهما كيانين متقابليْن متعارضين، لأنه لا مجتمع من دون دولة. ولأن التعارض بينهما، إن حدث لا يقوم إلّا نتيجة أزمة عارضة في العلاقة، لها أسبابٌ تفسرها، مشيراً إلى أن لا معنى لمقولات جوفاء رائجة مثل «الدولة ضد المجتمع»، وما في معناها من مقولات يجهل القائلون بها، أصول نظرية السياسة، مثلما يجهلون التاريخ الواقعي – الحديث على الأقل – للدولة والمجتمع.الدولة هي المجتمع
وأكد بلقزيز أن الدولة، في تعريفها النظري، وفي واقعها التاريخي، ليست سوى المجتمع منظماً؛ أي منضبط بمنظومة من القواعد والقوانين التي تحفظ الحقوق والأمن والسيادة، وتوفر الشروط لإشباع الحاجات المادية والمعنوية واكتساب أسباب التقدم. المجتمع يصنع الدولة، بما هي مبدأ تنظيمه الذي لا يكون من دونه، فتنشأ فيه من حيث هي حاجة موضوعية، ولكن الدولة، أيضاً، تصنع المجتمع أو تعيد تصنيعه، من حيث إنها تنظِمُه، وتوفر له أسباب البقاء والازدهار، وتضمن حرياته وحقوقه، وتحمي سيادته من العدوان الخارجي، وتمكنه من تنمية طاقاته واستثمارها، وترسخ فيه قيم المصلحة العامة، والمواطنة، والولاء للوطن.
الدولة ليست السلطة والنظام السياسي
وأوضح أن الدولة كيان اجتماعي وسياسي، نشأ فيه نظامٌ عام، وأجهزةٌ ومؤسسات، تؤدي وظيفة إدارة المصالح والشؤون العامة، والدولة بهذا الحسبان لا تعبر عن فريقٍ اجتماعي بعينه، لأنها إنْ فعلتْ، تتخلى عن التمثيل الحصري وعن شخصيتها كدولةٍ تمثل المجموع الاجتماعي أو الأمة، وتتحول إلى سلطة. ولا تتدخل الدولة في الصراعات الاجتماعية على المصالح، لأنها بطبيعتها، وينبغي لها أن تظل محايدة، أي تعلو على المنازعات الاجتماعية الداخلية. تدخلها الوحيد المقبول والمطلوب، والمعبر عن ماهيتها كدولة، هو حماية القانون – الذي يعبر عن الإرادة العامة – من أي انتهاك، وفَرْضُ سيادته من طريق تطبيق أحكامه على الجميع.
الديمقراطية الغربية
وفيما يخص نشأة الديمقراطية في بلدان الغرب، قال الدكتور بلقزيز: لم تنشأ الدولة الحديثة في بلدان الغرب الأوروبي والأمريكي، على النحو الذي هي عليه اليوم، صورتها المتقدمة الراهنة، وإنما قطعت شوطاً طويلاً من التطور التاريخي، على مدار قرون أربعة، حتى استتبَ لها الأمر، واكتسبت هذه السمات التي تتسم بها اليوم. إن أخذنا مثاليْن فقط، تبنا منهما إلى أي حدٍ كان على هذه الدولة أن تنتظر نضوجاً لتراكماتها حتى يستقيم لها الأمر. والمثالان اللذان يمكن الاستشهاد بهما ينتميان معاً إلى منظومة الحقوق السياسية، أو منظومة حقوق المواطنة، ويتعلقان بالحق في التمثيل.
أولهما يتعلق بالحق العام في الاقتراع والتمثيل. كان هذا الحق، وإلى حدود مستهل القرن العشرين، من احتكار مالكي وسائل الإنتاج دون سواهم؛ إذْ لم يكن يشمل العمال والفلاحين وسائر المنتجين؛ وهُم الكثرة الكاثرة في المجتمع. غير أن نضالات الطبقة العاملة والنقابات، وانتفاضات الفلاحين والقوى المهمَشة فرضت، مع الزمن، أن تُمْنَح هذه الطبقات الاجتماعية والفئات حقها في الاقتراع، وفي الترشُح للمجالس والبرلمانات، على نحوٍ تأمَن به توزيعاً أفضل للحقوق الديمقراطية في المجتمعات الغربية، وأنجزت فيه فكرة المواطنة حلقة من حلقات تحقُقها.
وثانيهما يتعلق بحق المرأة تحديداً، في الاقتراع والتمثيل، حيث ظلتِ النساء محرومات من هذا الحق، لمئات السنين من تاريخ الدولة الحديثة، وإلى حدود ما بعد الحرب العالمية الثانية، مع أنهن- في عُرف الدولة – مواطنات، ومع أنهن يبلغن، تعداداً نصف عدد أفراد المجتمع. غير أن نضالات الحركات النسائية، والحركات التقدمية معها، انتزعت هذا الحقَ، وتم التسليم به ليفتح، في ما بعد، حقوقاً أخرى من قبيل تقلُد النساء أعلى المناصب في الدول: وزارية ورئاسية.
هكذا يتأكد من المثالين السابقين – من دون الحاجة إلى سوْق أمثلة أخرى – أن لنظام الدولة الوطنية الحديثة تاريخاً سياسياً تراكمياً لا يقبل التجاهل، وأن لإقامتها – على المثال عينِه – في بلدان لم تشهد على التطور عينِه في المجالات الاقتصادية (الثورة الصناعية)، والسياسية (الثورة الإنجليزية والفرنسية والدستور الأمريكي، والوحدات القومية..)، والفكرية (عصر التنوير)، والدينية (الإصلاح البروتستانتي)، هو من قبيل الاستنساخ المستحيل؛ وأن على إرادة بناء الدولة الحديثة أن تَلْحَظ الحاجة إلى تطوُرها في نطاق تطوُرٍ تاريخي مزدوج: للدولة وللمجتمع على السواء؛ فالدولة المتقدمة في الغرب وليدٌ لمجتمعات متقدمة، وكما تكونُ المجتمعات تكون الدول.
واختتم الدكتور عبدالإله بلقزيز ورقته بالتأكيد على أن الديمقراطية لها تاريخ تراكمي، تنجز حلقات حتي تصبح نظاماً متكاملاً، نحن نريد في مجتمعاتنا العربية، الديمقراطية كما هي في الغرب الآن، ولكن ذلك مستحيل، فلابد من عقد اجتماعي يعبر عن إرادة الأمة.
ابتسام الكتبي: مجتمعاتنا العربية تحتاج تصورات واقعية وليست نظرية
أكدت الدكتورة ابتسام الكتبي، رئيس مركز الإمارات للسياسات، أستاذ العلوم السياسية المساعد بجامعة الإمارات، أننا نواجه إعادة صياغة لمجتمعاتنا على أسس لا نعرفها، إضافة إلي إعادة صياغة دولنا على أسس جديدة، وتساءلت: هل الدولة بمفهومها التقليدي موجودة اليوم؟ واختتمت بأن «مجتمعاتنا العربية لا تحتاج تصورات نظرية، بل تحتاج تصورات واقعية تنطلق من أرض الواقع».
وقال محمد الشعالي، في تعقيب له على الجلسة: يجب أن نميز بين الدولة والنظام السياسي، لكن من كل الأمثلة التي طرحت تظهر أن النظام السياسي ابتلع الدولة، ولا يمكن تغيير النظام السياسي والإبقاء على الدولة، مشيراً إلى أنه من الناحية النظرية نفهم أن الدولة شيء والنظام السياسي شيء آخر.
وقال محمد دياب الموسى، المستشار التربوي لصاحب السمو حاكم الشارقة، إن المقصود بالعلاقة بين الدولة والمجتمع هي علاقة السلطة التنفيذية وبين المجتمع، لكن نحن يجب ألّا نفصل بين الدولة والمجتمع.
وفي مداخلته، تساءل الدكتور عمر عبدالعزيز، رئيس مجلس الإدارة في النادي الثقافي العربي بالشارقة: أين هي الدولة الليبرالية العادلة؟ وتابع معلقاً: لا يمكن أن نعتبر الولايات المتحدة، الدولة الليبرالية العادلة. وطرح سؤالاً في المقابل: هل يمكن أن نعتبر الصين دولة غير عادلة ليبرالياً وهي تحقق نمواً؟
وأكد يونس ناصر، أن المجتمع هو من يوجد الدولة، لأنه صاحب المصلحة الحقيقية في إقامة الدولة، وأن الشعوب عندنا تنتخب قيادتها أو السلطة، تعود هذه السلطة لتنتقم ممن انتخبها والأمثلة كثيرة.
واختتمت الدكتورة صباح المحمودي من كلية الإمارات للتكنولوجيا المداخلات، قائلة: إن كل الدول العربية في نفس المستوي، وهناك تباينات سواء في مستوى تطورها المجتمعي، وتركز المؤسسات والقوانين، وحتى النقاش الاجتماعي داخل الدولة.