الشارقة: أحمد راغب
ناقشت الجلسة الثانية من المؤتمر السنوي السادس عشر لمركز الخليج للدراسات، بعنوان «العلاقة بين الدولة والمجتمع في الوطن العربي»، طبيعة وواقع العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني في الوطن العربي، تطرق فيها الدكتور علي فخرو، وزير التربية البحريني سابقاً، إلى هذا الجانب الحيوي والمهم، وأدارتها الدكتورة فاطمة الشامسي.
وبيّن الدكتور فخرو في نقاشه خلال الجلسة أن إشكالية العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني في الوطن العربي، هي إشكالية معقدة تشمل التاريخ، وتعدد القراءات الفقهية لتلك العلاقة في الدين الإسلامي، وتباين الأنظمة السياسية التي سادت مختلف الأقطار العربية منذ حصولها على الاستقلال، والبدء ببناء الدولة الوطنية، ومقدار الانفتاح على مفاهيم الحداثة الأوروبية والتأثر بها، موصياً بأنه لابد من بذل مجهود كبير لإصلاح سلطة الدولة والمجتمع في آن واحد.
وأشار إلى أن هناك أكثر من 150 تعريفاً للدولة والمجتمع المدني، فأي من هذه التعريفات يعود لمنطلقات فكرية معينة، إلّا أن المجتمع المدني يشمل التكوينات والثقافة والأخلاق والعادات والتقاليد، والعلاقة بين الدولة والمجتمع هي علاقة الجزء مع نفسه.
سلطة الدولة
وأضاف: عند الحديث عن الدولة يعني سلطة الدولة، وعلاقتها مع المجتمع الذي يعتبر جزءاً منها، فعلاقة سلطة الدولة العربية مع المجتمع علاقة ملتبسة لأسباب كثيرة، منها تاريخ التراث العربي السياسي الذي يسهم في هذا الالتباس، لأنه في تراثنا لم يكن هناك اهتمام بالتفكير في مكونات الدولة ووظائف الدولة ومؤسساتها، فتركز التفكير بالحاكم ونوع الحاكم وكيفية تصرفه، وهذا خلق إشكالية، لأنه لم يسهم في بناء تراث نعتمد عليه، فهناك من يرى أن فكرة التراث عن الدولة تتلخص في قول عمر بن الخطاب «يا معشر العرب إنه لا إسلام بلا جماعة، ولا جماعة بلا إمارة، ولا إمارة بلا طاعة»، كما أن هناك من يرى رأياً آخر بالنسبة لمساهمة التراث في هذا الحديث، حيث تحدث عن العصبية في قيام الدول، واستمرارها، وعن التكوينات الاجتماعية لتلك الدول، وعن فوائض الثروة وصرفها الخاطئ وزوالها، وعن زوال الدول كمحصلة لدخولها في عوالم الترف والترهل، حيث تصف هذه الكتابات إلى حد بعيد، ما يحصل في كثير من مجتمعات الوطن العربي.
«مَنْ يحكم»
وقال الدكتور علي فخرو: من الأسباب الأخرى للبس العلاقة بين الدولة والمجتمع، التاريخ الذي يعاش في الحاضر، والذي له بالغ الأثر في الحاضر الذي نعيشه، فمعركة «من يحكم» مازالت محتدمة منذ زمن الرسول عليه الصلاة والسلام، وهذا بحد ذاته يؤدي لإضعاف المجتمعات وعندما يضعف المجتمع، يؤدي لأن يكون ضعيفاً أمام السلطة.
بالاضافة إلى إشكالية قداسة الفقه الإسلامي، كالموقف من المرأة أو الموقف من إطاعة ولي الأمر، وإلزامية الشورى، وأدوار المرأة في المجتمع، ومقدار القبول لمبادئ الديمقراطية والعلاقة مع الأديان، والمجتمعات الأخرى.
ومن قضايا اللبس بين الدولة والمجتمع، فالأنظمة السياسية التي حكمت الدول العربية منذ الاستقلال تميزت بأنها استبدادية سواء كان النظام جمهورياً أم ملكياً، عسكرياً أم قبلياً، دينياً أم علمانياً، فضلاً عن تميز تلك الأنظمة بعدم الثقة في مؤسسات المجتمع المدني خصوصاً مؤسسات الأحزاب والنقابات والجمعيات الحقوقية، وبالتالي سعت الأنظمة، إمّا إلى شراء ولاء تلك المؤسسات المدنية، أو اختراق تنظيماتها من الداخل، أو استعمال العنف الأمني معها، إن لزم الأمر.
إن عزوف المواطنين عن الانخراط في مؤسسات المجتمع المدني، من القضايا الأخرى التي تعد سبباً من أسباب لبس العلاقة، حيث إن الناس لا يلتزمون بالاندماج داخل المؤسسات القادرة على الموازنة بين المجتمع والدولة، وهذا العزوف له أسبابه، كتهميش دور الأعضاء وهيمنة أقلية على الإدارة، وبقائها في مراكز القيادة لسنين طويلة، عدم تجذر المبادئ الديمقراطية في ثقافة المجتمع العربي وفي مؤسساته الأساسية كالعائلة والمدرسة، فضلاً عن انشغال المواطن العادي بأساسيات الحياة اليومية.
إشكاليات التنظيمات
وأشار إلى أن إشكاليات التنظيمات الجهادية التكفيرية العنيفة الإسلامية، من الأسباب التي تؤدي للبس العلاقة بين المجتمع والدولة، فالإشكاليات السابقة لم تكن كافية، حتى أضيف إليها مؤخراً انفجار التواجد المتنامي لحركات إسلامية همجية عنيفة، لا تعترف إلا بصحة فكرها ونهجها وفهمها للدين الإسلامي، أو ما يقوله زعماؤها الجدد الذين ينصبّون أنفسهم خلفاء يستحقون الطاعة العمياء لما يقولون ويأمرون، إضافة إلى ذلك فإن تجزئة الأمة والوطن تدخل في إطار أسباب اللبس في العلاقة، وأكد الدكتور علي فخرو، أن الإنسان لا يحتاج لإظهار المصاعب الكثيرة التي تواجهها محاولات توحيد جهود مؤسسات المجتمع المدني، في كل أقطار الوطن العربي، وذلك من أجل توازن توحيد جهود سلطات الحكم العربية والأمنية والسياسية في منعها لقوى المجتمعات المدنية العربية من النهوض والتواجد الحقيقي في الواقع العربي.
وأكد الدكتور علي فخرو أن نقاط الضعف تؤدي لعدم المساهمة في إصلاح الآخر، فالمجتمع غير قادر على إصلاح الدولة والدولة غير قادرة على إصلاح المجتمع، فضعف المجتمع المدني يؤدي لعدم اهتمام السلطة في إصلاح نفسها، وهنا تأتي الإشكالية، بالتالي لابد من بذل مجهود كبير لإصلاح سلطة الدولة والمجتمع، في آن واحد، فالمطلوب هو سلطة دولة قوية وسلطة مؤسسات مجتمع مدنية.
نقاشات الجلسة تثري المؤتمر بمعلومات مفيدة
أثرت المناقشة العامة بعد نهاية الجلسة، المؤتمر بمعلومات كبيرة ومفيدة، من خلال طرح العديد من الأسئلة من الحضور الذين عقبوا عن العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني، وأشار أحد الحضور إلى أن العلاقة بين الدولة والمجتمع فقدت العلاقة الوجدانية بينهما، لذا يجب طرح المصلحة الخاصة جانباً، والعمل من أجل المصلحة العامة، وما نراه في العالم العربي انعكاس لانحراف التفكير السياسي، بالتالي يجب غرس الولاء، فإذا وجد ستقام دولة قوية ومجتمع قوي، ورد الدكتور علي فخرو، على التساؤلات والمناقشات كافة بسؤاله: ماذا فعلت الأحزاب؟ مؤكداً أن الأحزاب جزء من المجتمع، وهذا يعطينا أن المجتمع مسؤول عما فعلته الأحزاب في الوطن العربي، فالأحزاب التي قامت على أسس معينة عند استلامها للسلطة لم تستطع أن تعيش مع ما رفعته خلال السنين الطويلة، وضيعت فرصة تاريخية كبيرة لتفيد الوطن العربي، لأنها كانت تمثل مصالح قيادتها، وهو ما جعلها تدمر المجتمعات العربية.وأضاف: إن الدولة التي تفشل أن تكون، دولة المواطنة والإنسان الذي لا يوجد دولة تحميه، يتوجه للعائلة أو المذهب لحمايته، فسلطات الحكم العربية لن تقبل أن تكون المجتمعات العربية مخالفة لكلمتها وأوامرها، فضلاً عن التأخر في الديمقراطية، فالمجتمعات العربية متأخرة في هذا الموضوع، وترغب دائماً بالتأجيل في التعامل مع القضايا السياسية على الساحة العربية فالديمقراطية لها قاعدة، وليس لها سقف، فيجب التقدم بها وممارستها، إلّا أن الدول العربية ترى نفسها غير مستعدة للديمقراطية بعد.
استهجان اتفاقية سايكس بيكو
تحدث عدد من المشاركين مهاجمين اتفاقية سايكس بيكون، مرددين ما يستهجن هذه الاتفاقية، فعلق الدكتور يوسف الحسن، على هذه التعليقات والمداخلات بشكل طريف، قائلاً: إن ما يُجرى الآن في الساحة العربية، يجعلنا نحتاج جميعاً أن نشكر سايكس وبيكو، على الخرائط التي رسموها قبل ما يقارب ال 100 عام، والتي ندافع عنها الآن كمواطنين دفاعاً مستميتاً أمام هجمة متوحشة، وحروب بالوكالة لتمزيق هذه الخرائط، وتقسيم الدولة الوطنية التي تكرم سايكس وبيكو بإنشائها، فالشكر كل الشكر لسايكس وبيكو بدلاً من شتمهما.
وأضاف «قولوا لي ماذا فعلنا كعرب وكمثقفين ونخب سياسية وقوى مجتمعية على مدى قرن، ما هو أفضل من سايكس وبيكو بشأن الخريطة العربية».