أكد الدكتور عيسى البستكي رئيس جامعة دبي، رئيس مجلس إدارة نادي الإمارات العلمي، أن دولة الإمارات تتمتع ببنية تحتية تؤهلها لتصبح رائدة في مجال الذكاء الاصطناعي، وخاصة في قطاع التعليم، مضيفاً أن نشر الوعي بمفهوم الذكاء الاصطناعي وتطبيقه فعلياً في المؤسسات التعليمية سيساهم في تسريع التطور العلمي، ورفع نسبة الذكاء إلى الإدراكي للإنسان؛ من خلال تطويره؛ ليعطي حلولاً حسب المعطيات والمستجدات دون تدخل بشري.
وأشار إلى أن الذكاء الاصطناعي لن يتحقق إلا إذا سبقنا الزمن، وسبقنا الركب المتقدم، وأسسنا دولة تأخذ بالأسباب العلمية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية؛ مبنية على مدن ذكية مستدامة؛ من خلال القيادة وجودة التعليم والبحث العلمي والحاضنات التكنولوجية، وريادة الأعمال والبنية التحتية الاتصالية والتقنية والتوجهات المستقبلية.
جاء ذلك خلال جلسة المتطلبات التعليمية والبحثية؛ لتنفيذ استراتيجية الذكاء الاصطناعي، بمؤتمر «مركز الخليج للدراسات السنوي الثامن عشر» تحت عنوان: «استراتيجية الذكاء الاصطناعي» في الإمارات، التي أدارتها عزة سليمان، عضو المجلس الوطني الاتحادي، مؤكدة أهمية الذكاء الاصطناعي، وتأثيره في مختلف الأنشطة الاقتصادية والتعليمية، ودوره في بناء أجيال المستقبل، التي تمتلك أدوات المعرفة.
استراتيجية وطنية
وأكد البستكي، أن هنالك متغيرات للثورة الصناعية الرابعة؛ هي: البيانات الكبيرة والحوسبة السحابية والأمن المعلوماتي وإنترنت الأشياء والنانو تكنولوجي والبايو تكنولوجيوالبلوكشين والروبوتات والذكاء الاصطناعي، وأوضح أن الذكاء الاصطناعي الشامل هو نظام تكنولوجي شامل يضم الإلكترونيات الضمنية والأجهزة الميكانيكية وبرامج الذكاء الاصطناعي.
وقال: لتحقيق الإنجازات في هذه المشاريع الذكية المستدامة ينبغي أن تكون هناك استراتيجية وطنية للدولة تغطي كل المحاور من شأنها أن تحافظ على استمرارية المسيرة التنموية، وتقوم على المعطيات المتوفرة في البيئة الإماراتية، وتسخّر الإمكانات المحلية الموجودة بكفاءة عالية وتستفيد من الخبرات العالمية وبيوت الخبرة وأفضل الممارسات، مشيراً إلى أن الاستراتيجية الوطنية للابتكار في دولة الإمارات هي تنشيط للابتكار في سبعة قطاعات مهمة؛ هي: النقل والصحة والتعليم والمياه، إضافة إلى الطاقة المتجددة والفضاء والتكنولوجيا.
وقال البستكي: لنتطرق إلى التكنولوجيا الذكية يجب علينا أن نبحث في مقوماتها وعناصرها، فهذه المقومات هي التي تؤسس الاقتصاد المستدام للأجيال القادمة، موضحاً أن مقومات المدن الذكية والتكنولوجيا الذكية لاستدامة الاقتصاد تتمثل في القيادة والمنظومة الحيوية للمدن الذكية المبتكرة، وجودة التعليم والتطور المستمر، إضافة إلى الحاضنات التكنولوجية التجارية وريادة الأعمال للابتكار والتحول التكنولوجي الاتصالي من فرد مع فرد نحو جهاز مع جهاز (P2P to M2M).
وذكر أن القيادة المبدعة عنصر مهم وأساسي في تحقيق الاستقرار الاقتصادي في المجتمعات والمدن والدول، أما العنصر الثاني من المقومات فهي المنظومة الحيوية في الاقتصاد المستدام وجودة التعليم؛ لذلك ارتأت حكومة الإمارات المتمثلة في «مبادرات محمد بن راشد العالمية» العمل على القضاء على الجهل والأمراض، وشجعت المجتمعات الفقيرة في عدد من الدول بالاعتماد على نفسها، ورفع مستوى اقتصادها؛ من خلال بناء 2126 مدرسة في عدد من الدول ذات المجتمعات الفقيرة، كما قامت بتدريب 400 ألف معلم، واستفاد 10 ملايين طالب فيها ب«مبادرات محمد بن راشد العالمية» وتم طبع وتوزيع 3.2 مليون كتاب عالمياً، مشيراً إلى أن هناك أيضاً مبادرات أخرى في الابتكار وريادة الأعمال؛ لتساعد هذه المجتمعات في الاعتماد على النفس،وتخطّي صعاب الاتكالية والاعتماد على الغير.
النظم التقليدية
وأضاف يجب على النظام التعليمي أن يتطور؛ آخذاً بعين الاعتبار التطورات التكنولوجية في التعليم والتوجهات المستقبلية للتكنولوجيا. وهذا يقودنا إلى البحث عن إمكانية العمل في إجراء طفرة نوعية في التعليم، والتي لا تتبع النظم التقليدية الموجودة في الوقت الحاضر، والتي تتخطى الحدود الجغرافية والزمنية والاستيعابية؛ لتكون فرصة التعلم في أي وقت وفي أي مكان ومن أي مكان ومن أي معلم؛ فالهدف من التعلم جودة مخرجات التعليم في المساقات، وفي البرامج، إذا نجحت المؤسسة التعليمية في جودة المخرجات التعليمية في كل مساق وفي البرنامج العام يكون الطالب حصل على شهادته كيفما كانت الوسيلة، وبناء عليه نستطيع أن نعرّج في التعلم نحو الطفرة الإبداعية، والتي تندرج في التكنولوجيا الذكية كوسيلة للابتكار والمناهج المتغيرة والمخرجات التعليمية المتغيرة وهيئة التدريس والمبدعين والمبتكرين.
وقال: إن الطفرة التعليمية التي تستخدم الذكاء الاصطناعي والذكاء الإدراكي تتماشى مع توجهات القيادة الرشيدة والتطلعات؛ حيث يقول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله: «لا يوجد المستحيل في قاموسي» وكذلك يقول: «لا يوجد خيار آخر إلا الرقم واحد»، وأما صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، فيقول: «إذا استثمرنا في الوقت الحاضر في التعليم فإننا وبعد خمسين سنة سنحتفل بتصدير آخر برميل من البترول»، مشيراً إلى أن ثقافة البحث العلمي يجب أن تتغير بناء على تفعيل مبدأ مطابقة أصحاب المصالح والتعرف إلى مسؤولياتها، وكذلك القيام بالتخطيط لأنشطة وفعاليات؛ لمواءمة ثقافة الأبحاث والتطوير.
وتابع: من الضروري إحداث نقلة نوعية في ثقافة ومفهوم البحث العلمي؛ عن طريق خطط تنفيذية واستراتيجية عالية الجودة؛ ونشر الوعي المجتمعي لمفهوم الثقافة البحثية الحديثة متماشياً مع خطة الطفرة التعليمية. والنتيجة ستؤول إلى منتجات صناعية إماراتية، وبراءات اختراع تُصدّر إلى الخارج؛ نتيجة البحث العلمي والتطوير التجاري.
خريطة العالم
وأكد البستكي، أن معرفة التوجهات المستقبلية تُرسّخ موقعنا في خريطة العالم المتقدم، وتجعلنا ننافس القيادات الاقتصادية، التي تصنع المستقبل، ونواكب التطلعات والتوجهات المستقبلية في الوقت الحاضر، متجهين نحو التكنولوجيا الذكية، مؤكداً أن الثورة الصناعية الرابعة تصب في ثمانية مجالات تبنى عليها التكنولوجيا الذكية.
وقال: إن هناك دراسات أجريت في استفتاء لألف رائد (مدير) عمل ومدير تقنية المعلومات، والتي أجريت من قبل «Infosys»، وأظهرت أن الذكاء الاصطناعي قد خرج من فترة التجريب، وبدأ ينتج أو يسلم فوائد حقيقية، وإن أغلبية التنفيذيين (86%) يقولون إن مؤسساتهم قد بدأت فعلياً تطبيق الذكاء الاصطناعي في مرحلة وسطية أو متقدمة، إضافة إلى ذلك، فإن 73% منهم يقتنعون بأن تطبيق الذكاء الاصطناعي قد حوّل أسلوب العمل في مؤسساتهم.
وأضاف البستكي نستطيع أن نقول إن الذكاء الاصطناعي أصبح قوة طفرية؛ حيث إن ثلثي التنفيذيين في قطاع الاتصالات يقولون إن الذكاء الاصطناعي يحدث طفرة في الصناعة، وكذلك 63% من المصرفيين، إضافة إلى ذلك فإن معظم تجار التجزئة شعروا بتأثير «مشروع أمازون جو» على سبيل المثال على مؤسساتهم، الصناعة الوحيدة التي لم تتأثر من تطبيق الذكاء الاصطناعي هي المؤسسات الحكومية والعامة.
وتابع: خلال الخمس السنوات القادمة ستكون تقنية المعلومات هي أكثر وظيفة تطبق الذكاء الاصطناعي بنسبة قدرها 61%. وسيكون التأثير التنموي للذكاء الاصطناعي في مجال التسويق والاتصالات بنسبة قدرها 32%، والموارد البشرية 29% والدوائر القانونية 15%. ونسبة 95% من أصحاب القرار في تقنية المعلومات يقولون إنه في المراحل الأخيرة من التحويل الرقمي تخطط المؤسسات لتمتلك فريقاً من المحترفين في الذكاء الاصطناعي.
وقال: إن القيادات في مجال الأعمال متفائلة بأن تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي في حقيقة الأمر ستخلق فرصاً للموظفين بدلاً من أن تلغيها وإن التأثير الإيجابي سيكون في القوى البشرية بنسبة (70%) وستفيد العملاء بنسبة (45%) وكذلك للموظفين بنسبة (43%).
الأسلحة النووية
وأفاد أن الخبراء العسكريين والمتخصصين في علوم البرمجة بمؤسسة «راند» البحثية أصدروا ورقة بحثية تناقش دور الذكاء الاصطناعي في القرارات، التي يتّخذها في تدشين الأسلحة النووية باستقلالية تامة، دون الرجوع إلى البشر في الحروب النووية، وهذا القرار بطبيعة الحال له انعكاسات إيجابية وكذلك سلبية؛ لأن الذكاء الاصطناعي لا يعي المدلولات الحسية والنفسية والإدراكية حين القرار، والتي قد يحتاج إليها القرار في شن حرب بالأسلحة النووية.
وقال البستكي: في المستقبل القريب فإن كل بقعة على الكرة الأرضية ستكون موصولة ويستطيع النظام أن يحدد موقع الاتصال بدقة عالية، وسنستطيع أن نتواصل مع أي شخص أو جهاز في أي موقع على الأرض بسرعة فائقة وبجودة عالية واتصال آمن دون انقطاع، مؤكداً أن الذكاء الاصطناعي سيدخل في كل جهاز وكل خدمة وكل بيت وكل مؤسسة وكل بقعة من بقاع الأرض.
وأضاف التكنولوجيات المتطورة القادمة ستخلق أسواقاً جديدة، وستكون سبباً في صعود ونزول بعض الوظائف ونهاية وبداية (استحداث) بعض الوظائف الأخرى، وسيساهم الذكاء الاصطناعي في الاستدامة من ناحية استدامة الاقتصاد والبيئة (تقليل البصمة الكربونية) والغذاء (كفاءة استهلاك وإنتاج الغذاء) والزراعة والصحة وجودة التعليم وسوق العمل والموارد الطبيعية؛ فالذكاء الاصطناعي سيساهم في تطوير مجالات التعليم والبحث العلمي والصحة والاقتصاد الذكي والبيئة الآمنة الذكية والبناء الذكي والخدمة الذكية والصناعة الذكية والآلة الذكية والتعامل الذكي والنقل الذكي والطاقة الذكية النظيفة، مشيراً إلى أن دولة الإمارات أخذت على عاتقها أن تواكب الركب العالمي السريع، وتجاوزه حتى تكون في الصدارة عالمياً؛ لذا ومنذ فترة أكثر من عشر سنوات بدأت دولة الإمارات تبادر في إطلاق المشاريع والمؤسسات والشركات التي تصب في الأهداف الاستراتيجية الوطنية لاستدامة الاقتصاد لما بعد البترول وتمخضت عن هذه المبادرات استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي 2031م – وتعيين وزير في الذكاء الاصطناعي.
وتابع: طبعاً لتأكيد جدية التطبيق؛ أطلقت دولة الإمارات جوائز عديدة، ورصدت مبالغ مالية للفائزين، وعلى سبيل المثال لا الحصر «جائزة الطيارة بدون طيار لخدمة الإنسان» (مليون درهم محلياً ومليون دولار عالمياً) وكذلك جائزة «الروبوتات لخدمة الإنسان» (مليون درهم محلياً ومليون دولار عالمياً). وأطلقت جائزة «10X للمؤسسات الحكومية»، التي تتنافس في تسريع مشاريعها وخدماتها تكنولوجياً؛ لتتقدم عشر سنوات على كل دول العالم، وفعلاً في سنة 2017 تنافست 36 مؤسسة حكومية في 163 مشروعاً تسريعياً، وفاز منها 25 مشروعاً والمشاريع الفائزة استطاعت أن تتخطى الزمن، وتحقق التسريع لمدة عشر سنوات قبل كل مناطق العالم. وأُعلن عن الفائزين في القمة الحكومية العالمية في فبراير/شباط 2018. والنسخة الثانية للمسابقة سيُعلن عن نتائجها في فبراير 2019؛ بعد تحكيمها في نهاية 2018؛ ونظراً لاهتمام الدولة بأهمية تطبيق التكنولوجيا في كل مؤسسات الدولة الحكومية منها والخاصة؛ فإن المؤسسات أخذت على عاتقها أن تساهم في المسيرة التنموية التكنولوجية، وتطبق المعايير العالمية في استحداث التكنولوجيا وإنتاجها؛ من أجل أن تكون دولة الإمارات العربية المتحدة رائدة في نماء الاقتصاد وتطور التكنولوجيا ونظافة البيئة وجودة التعليم وإنتاجية البحث العلمي وتحقيق الشعار: «صُنع في الإمارات وتُباع عالمياً».
تقنية رقمية متطورة
أكد المشاركون في الجلسة أن الإمارات عبر رؤية قيادتها الثاقبة أصبحت رائدة في الثورة الصناعية الرابعة واستخداماتها؛ عبر استعداداتها لتطبيقات الذكاء الاصطناعي، التي تمثل فرصة اقتصادية كبيرة للكثير من القطاعات.
ويرى الدكتور سعيد خلفان الظاهري، خبير متخصص في تقنيات المعلومات حول تقييم أولي لبيئة الذكاء الاصطناعي بالدولة، أن دولة الإمارات؛ بفضل رؤية ودعم القيادة الرشيدة لديها بنية تقنية رقمية متطورة تعد حجر الأساس لخلق بيئة داعمة لمبادرات؛ مثل: الذكاء الاصطناعي.
ويعتقد الظاهري أن تنمية وتطوير التعليم يُعد من أبرز التحديات، كون هذا التخصص والمجال يعنى بتطوير خوارزميات معقدة في تعّلم الآلة وعلم البيانات، وقال: لا نريد أن نستورد التكنولوجيا فقط؛ بل نريد أن نكون فاعلين في صناعتها؛ وكذلك تطويعها لخدمة أهدافنا والاستراتيجية، التي وضعتها الدولة في هذا المجال.
وأوضح الدكتور رياض الدباغ أن الذكاء الاصطناعي أصبح حقيقة واقعية، ويجب التفاعل معه؛ لذلك خصصت دولة الإمارات قطاعاً كاملاً للتعليم ضمن استراتيجية الذكاء الاصطناعي، لاستشرافها أهمية تطبيق هذه الاستراتيجية تعليمياً.
بدوره قال هزاع إبراهيم المنصوري إن الذكاء الاصطناعي يمثل فرصة اقتصادية كبيرة للكثير من القطاعات؛ بحيث يمكنها تحقيق أرباح طائلة إذا ما بدأت في تطبيق استخداماته.
ونوّهت الدكتورة آمنة أبوشهاب الباحثة والأكاديمية، إلى أن التعليم التقليدي لم يعد يتماشى مع الوقت الحاضر، مؤكدة أنه باتت هناك أساليب حديثة بالفعل؛ مثل: التطبيقات والبرامج التقنية المصممة للاستخدام في المساقات التعليمية المختلفة.
– See more at: http://www.alkhaleej.ae/alkhaleejconference/page/1a152f50-7b4d-46f1-b37f-557b62883f82#sthash.R45RLk9N.dpuf