أوصت ورقة بحثية بعنوان «الإطار التشريعي والقانوني لمؤسسات الذكاء الاصطناعي في الإمارات»، بضرورة سن قانون خاص بالذكاء الاصطناعي، شريطة أن يؤدي علماء الحاسوب دوراً في صياغة نصوصه بالاشتراك مع ممثلين عن القطاعات المعنية بتقنية الذكاء الاصطناعي، ومراعاة التقيد بالمتطلبات القانونية أثناء البرمجة والتطوير للتطبيقات الذكية للحد من خطورتها، فضلاً عن ضرورة التمييز في الحكم بين البرامج تبعاً لدرجة تطورها وذكائها، فضلاً عن وضع معايير مهنية وصناعية وأخلاقية، فيما يتعلق باستخدام تقنيات «الذكاء الاصطناعي»، وحصر هذا الاستخدام في مرحلة أولى بالشركات المؤهلة فنياً ومالياً، لتحمل التبعات التي قد تنجم عنه، وإعداد الكوادر الوطنية للتعامل مع مختلف جوانب هذه التقنية، ونشر الوعي بمزاياها ومخاطرها المختلفة.
أكدت الدراسة التي أعدها وقدمها الدكتور عماد الدحيات، رئيس قسم القانون الخاص بجامعة الإمارات، في الجلسة الثانية التي ترأسها عبدالله عبدالجبار الماجد، وكيل وزارة العدل المساعد للخدمات المساندة، ضمن المؤتمر الثامن عشر لمركز الخليج للدراسات الذي جاء بعنوان «استراتيجية الذكاء الاصطناعي في الإمارات»، أن الذكاء الاصطناعي أصبح واقعاً يحظى بتطبيقات عدة، تحاكي الذكاء البشري حيناً وتتفوق عليه أحياناً كثيرة، ففي الطب على سبيل المثال، ظهرت أنظمة ذكية تستخدم لتحليل الصور والنتائج الطبية للتشخيص المبكر لبعض الأمراض واقتراح علاجات لها، وشهد المجال القانوني برامج حاسوبية قادرة على قراءة الوثائق والعقود وتحليلها، والتنبؤ بالمنازعات قبل نشوبها واقتراح تسويات قانونية لها. أما في التعليم فقد ظهر الروبوت المعلم القادر على تمييز الطلبة والتفاعل معهم، بقراءة تعبيرات وجوههم وتحليل نشاطهم الدماغي، ومن ثم تعليمهم مساقات جديدة حسب مسار كل تلميذ على حدة. وعسكرياً بدأت معدات الذكاء الاصطناعي والحرب الإلكترونية، تغزو القطاعات العسكرية لتقدم خدمات الاستشعار عن بعد، والتنبؤ بالأخطار العسكرية ومواجهتها. أما النقل فبدأ الكثير من مصانع السيارات الشهيرة، يضع اللمسات الأخيرة على خطوط إنتاج المركبات الذاتية القيادة المزودة بتقنية استشعار الحركة، وخاصية الإدراك المكاني. وفي القطاع المالي بدأت بعض الأسواق المالية الكبرى باستخدام برامج ذكية لتحليل البيانات المالية وتوقع التقلبات التي قد تطرأ على أسعار الأسهم والسندات. كما شهدت التجارة الإلكترونية استخداماً ملحوظاً لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، أو ما يعرف بالوكلاء الإلكترونيين الأذكياء.
تحديات قانونية
وتناولت الورقة بعض التحديات القانونية، وبخاصة ما يتعلق بصحة العقود التي قد تبرمها البرامج الذكية دون أي تدخل بشري، وكيفية إسناد المسؤولية عن التصرفات غير المتوقعة لهذه البرامج. وقد خلصت هذه الدراسة إلى جملة من النتائج لعل من أبرزها أن برامج الذكاء الاصطناعي تتميز بالقدرة على الحركة والتعلم الذاتي والاستجابة للمتغيرات، فضلاً عن تمتعها بمهارات التسبيب والاستنباط والتكيف مع البيئة المحيطة.
وخلصت الدراسة إلى عدم وجود أي قوانين خاصة لتنظيم الآلات التي تمتلك ذكاء اصطناعياً، كما أن التشريعات الحالية لا تواكب مطلقاً التطور المتلاحق في تقنية الذكاء الاصطناعي، حيث لاتزال جميع البرامج في نظر القانون، وبغض النظر عن درجة تطورها مجرد أدوات لتنفيذ أوامر مستخدميها، كما جاءت النصوص القانونية في هذا الصدد عاجزة عن حماية المستخدم من أخطاء الآلة واستيعاب النتائج التي قد تترتب على إصابة البرنامج بعطل أو قيامه بالتصرف بطريقة غير متوقعة، في حين أن التشريعات الحالية الوطنية والدولية تنسب في معظمها المسؤولية الكاملة إلى من يستخدم الأنظمة الإلكترونية، دون أدنى حساب لدور البيئة المحيطة والعوامل ذات الصلة.
استقلالية تامة
ولفت الدحيات إلى أن ما يميز برامج الذكاء الاصطناعي قدرتها الفائقة على التعلم واكتساب الخبرة واتخاذ القرار باستقلالية دون الإشراف البشري المباشر، كما تقوم بدور حيوي على تسريع الإنجاز وزيادة الإنتاج، بقدرتها على انتقاء أفضل الخيارات المتاحة والاستجابة للمتغيرات بمرونة وسرعة عاليتين، لذلك حرصت دولة الإمارات على إطلاق استراتيجية متكاملة بشأن تحويل الذكاء الاصطناعي إلى واقع ملموس إيماناً من القيادة الرشيدة بأهمية استشراف المستقبل وخلق بيئات عمل مبتكرة ترتقي بجودة الأداء وتستثمر الطاقات على النحو الأمثل.
وأشار إلى مجموعة من التحديات التي تثيرها تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والمتمثلة في أنها لم تصل بعد إلى درجة الكمال القصوى، بل لا تزال برامجها عرضة للإصابة بالفيروسات أو الأعطال الفنية، ما قد يجعلها أحياناً تعمل بطريقة غير متوقعة أو غير مخولة، ما قد يلحق أضراراً بالغة تعيد إلى الأذهان التساؤل عن كيفية توزيع المسؤولية الناجمة عن أعمال مثل هذه البرامج.
الوكلاء الإلكترونيون
وأوضح الدحيات، عما يخص الإشكاليات الناجمة عن عقود برامج الذكاء الاصطناعي والمسؤولية عن أعمالها، أن الوكلاء الإلكترونيين يعدون من أكثر برامجه شيوعاً في عالم التجارة الإلكترونية، حيث تحرص كثير من مواقع التجارة على الإنترنت، على توظيف هذه البرامج التي يتنوع دورها تبعاً لدرجة تطورها ومستويات قدراتها، ففي الوقت الذي تعرض فيه تطبيقات الجيل الأول من الوكلاء أو الوسطاء الإلكترونيين درجة محدودة من الذكاء والاستقلالية والحركة، بحيث يقتصر دورها على مجرد البحث ضمن الخيارات والمقارنة بين الأسعار واقتراح العروض التي قد تشبع احتياجات مستخدميها، نجد أن تطبيقات الجيل الثاني والثالث من الوكلاء الإلكترونيين الأذكياء تتمتع بدرجة عالية من الذكاء والاستقلالية والقدرة على التفاوض، وإبرام الصفقات وفقاً لخبراتها المكتسبة وتعليماتها المعدلة ذاتياً، ودون أدنى معرفة أو تدخل بشري في أعمالها.
استقلالية غير متوقعة
وقال إن البرامج الذكية تتمتع باستقلالية غير متوقعة، وفقاً لما تمليه عليها البيئة المحيطة، وتتخذ قراراتها دون الرجوع إلى مستخدميها، ما قد يخلق مخاوف بشأن المسؤولية التي قد تترتب على أعمال هذه البرامج، مثل أن تلحق مركبة ذاتية القيادة أضرار بالغة، نتيجة عوامل لا يمكن التنبؤ بها أو دفعها، واختراق البرنامج الذكي حقاً من حقوق الملكية الفكرية أو إلحاق ضرر ببيانات الآخرين، أو تسبب بتدمير أحد المواقع الإلكترونية في الفضاء الرقمي، متسائلاً عن المسؤول الذي ينبغي أن يسأل في مثل هذه الاحتمالات، أهو المستخدم، أم المبرمج، أم الشركة الصانعة، أم مدير الموقع الإلكتروني، أم مزود الخدمة أم الآخرون؟ مضيفاً أن فشل البرنامج الذكي أو الروبوت لا يعود دوماً إلى وجود إهمال أو خطأ في عمليتي البرمجة والتطوير، أو إلى مشكلات في الاستخدام والتوجيه، بقدر ما يرتبط أحياناً بطبيعة البرنامج والبيئة الرقمية أو بعوامل وأطراف أخرى يصعب تحديدها بدقة، ومنها الفيروسات والأعطال الفنية.
وأشار الدحيات إلى ضرورة إيجاد آلية لإسناد المسؤولية بشكل يرسي التوازن بين جهات التصميم والإنتاج والاستخدام.
وتطرقت الورقة البحثية للحديث عن التنظيم التشريعي للذكاء الاصطناعي.
دراسة شاملة
ورداً على مداخلة للدكتور سعيد الظاهري، رئيس مجلس إدارة «سمارت وورلد»، الذي تساءل عن المرحلة التي وصلت إليها دولة الإمارات في قانون المعاملات الإلكترونية الذي صدر 2006 وعدل عام 2012، كما استفسر عن وجود دراسة شاملة تتعلق بوضع ضوابط على الشركات العالمية في مدى موافقة المستخدم للمنتجات، قال الدحيات: «إلى غاية هذه اللحظة لا يوجد أي قوانين خاصة لتنظيم الحالات التي تنتهك الذكاء الاصطناعي فالتشريعات الحالية تنظم برامج الكمبيوتر التي تعمل بشكل مؤتمت، لكنها لم تنظم البرامج التي تعمل بشكل مستقل».
وأضاف أذا أردنا أن نحمل المستخدم المسؤولية فإنه سوف يعرض عن استخدام برامج الذكاء الاصطناعي، أما اذا حملنا الشركات المصنعة فإن ذلك يؤثر سلبياً في التطور التكنولوجي.
التشريعات الرئيسية
قال الدحيات عن التشريعات الرئيسية الدولية والمحلية لبيان موقفها من برامج الذكاء الاصطناعي إن هذه التشريعات لم تتضمن أي معالجة شاملة للجوانب المختلفة للذكاء الاصطناعي وإن تضمنت إشارات لخصائصها ودورها في العملية التعاقدية، فالمشترك بين هذه التشريعات هو تعاملها مع الوكلاء الإلكترونيين وكأنها جميعها تنتمي إلى المجموعة ذاتها دون أي تمييز بينها تبعاً لدرجة التطور والذكاء والاستقلالية، كما خلطت معظم هذه التشريعات بين مفهومي الأتمتة واستقلالية البرامج الذاتية، ورأت أن أعمال جميع البرامج ما هي إلا امتداد لمستخدميها الذين يسألون بشكل مطلق عن نتائج أعمالها كما لو كانت صادرة مباشرة عنهم، وتاليا يمكن القول إن التشريعات الحالية قد ساوت في الحكم بين الوكلاء الإلكترونيين والبرامج الأخرى التي تفتقد لخصائص الذكاء والاستقلالية والحركة، وعدتهم مجرد أدوات لتنفيذ أوامر مستخدميها، ومنها قانون المعاملات الإلكترونية الموحد في أمريكا الذي اعترف بصحة العقود التي يبرمها الوكيل الالكتروني دون أي علم أو تدخل بشري.
وأوروبياً فإن التوجيه رقم 2000/31/EC بشأن التجارة الإلكترونية لم يتضمن أي إشارة مباشرة أو صريحة إلى برامج الذكاء الاصطناعي، ولكنه في الوقت ذاته نص على ضرورة أن يسمح النظام القانوني للدول الأعضاء بإبرام العقود بالوسائل الإلكترونية المختلفة دون فرض أي عراقيل.
اختراق الخصوصية
قال علي القبصي، مدير مكتب جريدة «الرياض» في الإمارات في مداخلته: إن الخصوصية تخترق، لقد باعنا «فيس بوك» واخترق تويتر والواتس آب.
وأكد ضرورة تأهيل الكوادر الوطنية في كل الأمور المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، فيما علق الدحيات قائلاً: «حتى الآن لا يوجد لدينا قانون صريح وخاص فيما يخص خصوصية البيانات، كما أضم صوتي إلى صوتك بضرورة تأهيل الكوادر الوطنية وضرورة تدريس مواد تتعلق بالذكاء الاصطناعي في المدارس والجامعات حتى نكون مؤهلين في التعامل مع التكنولوجيا».