خلال جلسة «الأهداف والتطلعات»
كشف عمر بن سلطان العلماء، وزير الدولة للذكاء الاصطناعي، أن تسخير تقنيات الذكاء الاصطناعي في الدولة في تطوير البنية التحتية، أسهم بشكل أكثر فاعلية؛ حيث وفر نحو 25% من إجمالي كُلفة المشروع؛ حيث يظهر هذا التقليص كلفة المشاريع الضخمة، التي تتخطى المليارات، ما جعل بالإمكان أن تنخفض نسبة كُلفة المشاريع إلى أكثر من 40% خلال الفترة القادمة؛ حيث تحتسب معايير الموارد المستخدمة في القطاع والأعمال الإنشائية، وتقنينها باستخدام الذكاء الاصطناعي بشكل أكثر دقة وبصورة مقننة عما كانت عليه سابقاً، لافتاً إلى مساعي حكومة دولة الإمارات؛ لاستخدامه في الصحة، بتشخيص الأمراض ومن ثم علاجها.
جاء ذلك خلال مشاركته في جلسة بعنوان:«استراتيجية الذكاء الاصطناعي.. الأهداف والتطلعات»، ضمن فعاليات المؤتمر، التي أدارها الباحث والأكاديمي، د. سليمان الجاسم؛ حيث استهل حديثه بالجلسة، باستعراض ما سيشهده العالم من تطورات، وما سيطرأ على التعليم والطب والصناعة والبرمجيات والبناء، وغيرها من تحول جذري، لافتاً إلى انخفاض معظم الوظائف والصناعات التقليدية خلال ال 5 أو 10 أعوام القادمة، وقد تتلاشى بعض المهن، عبر ما يمكن مشاهدته من تطور شركات الأجرة في برمجياتها لنقل الركاب دون سائق، وإمكانية تحصيل الرسوم؛ عبر البطاقات الذكية، ودورها في خفض نسب الحوادث المرورية في العالم؛ حيث وصلت مؤخراً إلى ما يعادل وفاة 1.2 مليون شخص سنوياً، كما أنه سيحدث فرقاً جوهرياً على القطاعات الإنشائية؛ لتكون 10% من منتجات العالم مصنعة بتقنية الطباعة الثلاثية؛ حيث أثبتت جدارتها في الصين؛ عبر بناء 6 طوابق بتلك التقنية. أما التعليم وبرامجه وأدواته، فستشهد ثورة كبيرة؛ لكونها صارت مرتبطة بالهواتف الذكية، ما سيجعل منها أكثر انتشاراً وأسهل تناولاً مما كانت عليه، وبيّن إمكانية الحصول على مياه للشرب بثمن بخس، إذا دخل الذكاء الاصطناعي في عملية تحلية المياه، التي تحتاج في الوقت الحالي إلى 2 كيلو/ ساعة، وما سينتج عنها من الحصول على أية كمية ممكنة من المياه الصالحة للشرب في زمن وكلفة أقل.
وعرّف العلماء، الذكاء الاصطناعي، أنه يشمل تقنيات عدة تتخذ القرارات بناء على مدخلات تمنحها نوعاً من أنواع الذكاء؛ حيث أمكن للتقنيات اليوم، بالذكاء الاصطناعي، إدخال المدخلات في نظام واحد يقرأها، ويتخذ القرار بشكل يجعلها أكثر ذكاءً، وبيّن أنه في نهاية المطاف يظل الذكاء آلة وتقنية يستخدمها البشر ويقومون بتطويرها، مشيراً إلى أنه بين 70% و80% من الوظائف الحالية ستتأثر بتقنية الذكاء الاصطناعي، كما أن كثيراً من الموظفين ستتغير وظائفهم في المستقبل؛ وذلك لا يعني فقدانهم لوظائفهم؛ لأن الكائن البشري قادر على التعلم والاستيعاب وتطوير ذاته بالشكل الذي يجعله قادراً على مواكبة تلك التقنيات، ولا يمكن الاستغناء عنه، ولفت إلى أنه كان هناك تصور في الماضي، من 1850 حتى 2015، خاصة مع ظهور تقنية الحاسوب والكهرباء وما تبعهما من ثورة في التطورات التقنية المهولة، أنها ستحدث فرقاً كبيراً في معدلات البطالة بنسبٍ مرتفعة، ومع ذلك كان متوسط معدل البطالة في الولايات المتحدة قرابة 5%، وصارت متأرجحة بين الصعود والانخفاض؛ ولكن ظل المتوسط 5%، وهذا ما يثبت أن البشر يتقدمون مع المتغيرات، ويتطورون مع التقنيات بشكل متسارع وبقدرة عالية.
ولفت إلى تأكيد كثير من قادة العالم، أن للذكاء الاصطناعي مستقبلاً، ويمتلك تأثيراً أكبر في البشر مما كان عليه العالم مع ظهور الكهرباء، مبيناً أن كل ما يدور حولنا قائم على معادلة بسيطة ألا وهي إذا جمعت الطاقة إلى الجماد، فسينتج عنه مخرج، ويعني إذا أدخلت الطاقة على الزجاج، يمكننا إنارة أي مكان في العالم، بلمسة زر واحدة، كما أنه إذا أدخلت الطاقة عبر محرك، صار بالإمكان التنقل عبر الوسائل في زمن أقل وبأسرع وقت ممكن، مبيناً أن المعادلة ذاتها يمكن أن تكون أكثر فاعلية وفائدة، في حال استبدال الطاقة إلى الذكاء الإلكتروني.
مداخلات
وأضاء د. علي فخرو، وزير سابق، في مداخلته على عدد من الجوانب عن آلية استخدام الذكاء الاصطناعي؛ حيث بين أن هذا الحقل ليس واضح المعالم، ويحمل جوانب لا تزال غير معروفة، كما يحمل جوانب خطرة أيضاً، وهو ما أكده عدد من الخبراء والعلماء؛ فعلى سبيل المثال خرج الإنترنت على البشرية موضوعاً ثقافياً إنسانياً، يستخدم في التواصل وتمرير المعلومات لكل من يحتاج إليها؛ ولكنه اليوم انعطف عن مساره الأساسي، وبات ينتقل شيئاً فشياً إلى أن صار يعرف كل شيء عن الإنسان، واستعمل في بيع الإعلانات والتزوير وفي شتى المجالات غير الشرعية، وهو ما سيمكنه مستقبلاً من الهيمنة على الإنسان واستغلاله، ما جعلنا نقف حذرين تجاهه.
وتناول في الجانب الثاني مدى إمكانية أن يحل الذكاء الاصطناعي المحدود محل الذكاء البشري، أما الجانب الثالث فبين أن الحديث عن هذا الحق انصب بشكل كبير وأساسي على الجانب الاقتصادي، وتجنب الجوانب السياسية والاجتماعية رغم خطورتها، خاصة في الحديث عن انخفاض عدد من المهن بنسب كبيرة، وفي نهاية مداخلته تساءل عن مدى إمكانية استخدام هذه التقنية في العلم والبحوث، وإعداد أجيال قادرة على التفاعل بشكل إيجابي مع التقنيات، وهل من الممكن إحداث تغيير جذري في التعليم؛ لمواجهة تحدياته.
ورداً على تلك الجوانب أكد العلماء، أنه منذ ظهور التقنيات وتطورها حتى يومنا هذا جميعها لها إيجابياتها وسلبياتها، ولا يمكن أن تكون التقنيات نافعة في المطلق دون أضرار، والذكاء الاصطناعي كذلك، مبيناً أنه فيما يخص الذكاء الاصطناعي المحدود والعام، ناقش عدد من العلماء والخبراء الذين أكدوا أنه نظرية، وتطبيقه قد يمتد لسنوات عدة، ومنهم من أكد أنهم قد لا يصلون إليه بالصورة الكاملة، مبيناً أيضاً أن التحديات التي تواجه العلماء في دولهم خاصة الولايات المتحدة، تختلف تماماً عن دولة الإمارات، فبعض المهن تحظى بنسبة عمالة كبيرة عن باقي الوظائف في الولايات المتحدة، إلا أنها لا تشكل النسبة ذاتها داخل الدولة، ما يجعل المقارنة في غير محلها، ومع ذلك فإن دولة الإمارات تسعى بمبادراتها في تدريب مليون مبرمج عربي لغة البرمجة، وبعد ذلك تمكين 100ألف شخص منهم من لغة الذكاء الاصطناعي، أما فيما يخص العلم والبحث والتطوير، فاتفق العلماء على أنه لا بد من التركيز على البحث والتطوير في الذكاء الاصطناعي، والبدء به من المدارس وتعليم تحدياته.
أما الكاتب يوسف الحسن، فتساءل عن تأثير الذكاء الاصطناعي، في حال إقدامه على خفض عدد من الوظائف والمهن، ومدى تحمل الأنظمة السياسية العربية تزايد أعداد البطالة في الوقت الذي تتجاوز فيه المنطقة العربية خلال الفترة الحالية أعلى نسبة في الدول النامية، وهل يمكن لتطبيقاته مواجهة محتويات الكراهية والتطرف عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأخيراً تساءل في حال الوصول لاستخدام الرجل الآلي، هل يمكن أن يكون له شخصية قانونية، وكيف يحاسب في حال الإخفاق؟ وهل سيؤثر في الإعلام، وينهي مهنة الصحافة، أو حتى المعلم؟
أكد العلماء، أن الذكاء الاصطناعي سيؤثر بلا شك في الجانب السياسي والإعلامي بشكل إيجابي وسلبي، ففي الإعلام، مثلاً، قد يدخل في كتابة المحتوى الإعلامي وتجميعه، إلا أنه لا غنى عن الصحفي فيما يخص التعديل، وإضافة اللمسات الإبداعية، أما في التعليم، فسيؤدي دوراً في تغيير المحتوى التعليمي؛ كونه سيعمل على تحويل المحتوى إلى مرئي وآخر سمعي؛ ليتناسب مع حاجة الأفراد ورغبتهم في تلقي المعلومة. وبين أنه فيما يتعلق بالتطرف ومواجهته، فإن مواقع التواصل الاجتماعي، في وجوده، عملت على إزالة أي مصطلحات متطرفة من منصتها. كما تطرق إلى مدى إمكانية محاسبة الرجل الآلي في حال امتلاكه الشخصية القانونية، فهي واردة؛ لكنها تقع على عاتق المبرمج ومصمم التقنية؛ لكونه المسؤول الأول عن إنشاء النظام.
وتحفظ الباحث د. محمد الصاحي، على تسمية الذكاء الاصطناعي بهذا المسمى، معللاً أن الذكاء هي صفة أطلقت على الكائن البشري؛ لما يحمله من قدرتي التفكير والإبداع، وفي حال غيابهما صار الذكاء جامداً، كما علينا ألا نقلل من اهتمام التفكير البشري الطبيعي، ونعطي الصخب الإعلامي إلى الذكاء الاصطناعي، فهو جماد؛ لكون الإنسان أضاف إليه المعلومات. كما أثار مدى إمكانية رقابة وزارة الذكاء الاصطناعي على المنتوجات الصناعية، مشدداً على ضرورة عدم منح الزخم الإعلامي له، دون الاعتماد على العقول البشرية.
فيما تساءل الأكاديمي عبدالإله بلقزيز، عن الذكاء الاصطناعي، إذا كان يشكل قطيعة مع الذكاء البشري أم مكملاً له، وإذا كان مستمراً فما الضمان له حتى لا يتجاوز الحدود؟ وإذا جاز تعريف الذكاء أنه ملكة ملكها الإنسان ويسخرها لخدمته ضمن نظام ثقافي اجتماعي وقيمي، كونه مرجعاً له، فماذا عن ذكاء اصطناعي يتحلل عن هذه الالتزامات؟
أما الكاتب جميل مطر، فاستطرد قائلاً، «إذا كان الإنسان أوجد آلة أذكى منه فسيأتي يوم ستوجد آلة أذكى منها، هل يمكن أن نتصور أن يأتي يوم ينقلب فيه المخلوق على الخالق وهو الإنسان الذي أوجدها»؟
واختتم العلماء الجلسة بتوضيح العلامة التي أطلقتها حكومة الإمارات خلال القمة العالمية للحكومات، التي تراقب، عبرها الشركات التي تستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتقييمها بتصنيفات عدة، لافتاً إلى أن تركيز الحكومة ينصب على تنمية العنصر البشري والتركيز عليه أكثر من الآلات، مؤكداً أن الذكاء الاصطناعي، هو استمرار للذكاء البشري، فهو محدود وكل إضافة يكتسبها تتم عن طريق البشر.
تطوير القطاع الخاص
بيّن عمر بن سلطان العلماء، وزير الدولة للذكاء الاصطناعي، سعي دول العالم، لتكون جزءاً من مستقبل الذكاء الاصطناعي، بتطوير القطاع الخاص لديها، وكذلك الاستثمار بعشرات المليارات لتطويره، مشيراً إلى أن دولة الإمارات تصب تركيزها في استغلال تلك التقنيات في تطوير الخدمات وأعمال الحكومة، بما يحقق رفاهية المواطن وسعادته؛ لكونه يتميز بقدرته على فهم احتياجات البشر والقدرة على تطويرها وتقديمها بأنسب الوسائل؛ لذا وجب على الحكومة أن تنتهج هذه الأساليب من إدراك مسبق لاحتياجات المواطن وتلبيتها، بطريقة مفصلة، وهو ما سيطبق لاحقاً باستخدام الذكاء الاصطناعي في الحكومة، لافتاً إلى إمكانية تطبيقه على حكومة الإمارات في أقرب وقت ممكن، وليس هذا بالأمر الصعب؛ كونها تمتلك الكثير من الفرص المهولة، مقارنة بدول لعالم؛ لأنها دولة شابة تملك الكثير من العقول الشبابية الواعدة القادرة على مواكبة طفرة الذكاء الاصطناعي وتبعاته من تطورات بمختلف المجالات، فالعقول الشابة أسهل إدراكاً واستيعاباً. وتابع «إضافة لكون دولة الإمارات دولة شابة، فهي تملك قيادة تستشرف المستقبل، ولديها رؤية واضحة، ففي حال اتخاذ القرار من قبل القيادة يستجيب الجميع ويسلكون المسار ذاته؛ تحقيقاً لرؤى الحكومة، وعليه صار لحكومة الإمارات فرصة كبيرة لتكون رائدة في العالم».