حول ورقة بعنوان «مستقبل القضية الفلسطينية في البيئة الدولية»
أكد الدكتور بشارة خضر أستاذ فخري في جامعة لوفين الكاثوليكية ومؤسس مركز الأبحاث حول العالم العربي المعاصر، أن الذاكرة الفلسطينية متخمة بالأحداث المرتبطة بأوروبا منذ الحروب الصليبية وحملة نابليون في مصر وفلسطين «1798- 1799»، وتأسيس القنصليات الأوروبية الأولى «القرن التاسع عشر»، والوعود الأوروبية للشريف حسين، التي لم يتم الوفاء بها «1915»، واتفاقية سايكس بيكو السرية «1916»، ووعد بلفور «1917»، ثم الانتداب البريطاني في فلسطين «1922- 1948»، وخطة تقسيم فلسطين برعاية الغرب «1947».
وقال خضر في ورقته «مستقبل القضية الفلسطينية في البيئة الدولية» تحت عنوان «مستقبل المشروع الفلسطيني» إن الدول الأوروبية الكبرى تتحمل مسؤولية تاريخية وأخلاقية وقانونية عن نشوء القضية الفلسطينية وقيام الكيان الاستيطاني الاحتلالي «الإسرائيلي»، بشكل مخالف لكلّ مبادئ القانون الدولي، بسبب وعد بلفور وسياسات الانتداب بداية، وصولاً إلى استمرار الدعم الأوروبي الاستثنائي لهذا الكيان: سياسياً واقتصادياً وعسكرياً.
وأضاف أن أوروبا كانت ولاتزال، «جزءاً لا يتجزأ من القضية الفلسطينية» منذ بدايتها، حتى الاعتراف بدولة «إسرائيل» من قبل معظم الدول الأوروبية.
وقال خضر، بعد الحرب العالمية الثانية، تغيّرت السياسة الفرنسية تجاه الشرق الأوسط، بسبب الإبادة الجماعية وما أنتجته من شعور بالذنب في المجتمع الفرنسي. ومع بداية حرب الاستقلال الجزائرية، دخلت فرنسا في علاقة عداء مع العالم العربي، لأنها اعتبرت أنَّ علاقتها معه أصبحت خاسرة، وبدأت تدعم حركة الاستيطان اليهودي والسياسة «الإسرائيلية».
وتابع:لا ننسى أنَّ جذور الصراع «الإسرائيلي» الفلسطيني نشأت في فرنسا، عندما كان الصحفي النمساوي ثيودور هرتزل يغطي لجريدته محاكمة دريفوس، وسمع صرخات «الموت لليهود» التي آلمته كثيراً، عندها بدأ يفكر وينظّّر لمفهوم دولة اليهود.
وقدم خضر من خلال ورقته سرد وتقويم التحول التدريجي في موقف أوروبا حيال الفلسطينيين والمسألة الفلسطينية من عام 1957 إلى 2017.
وقال إن موقف أوروبا قد انتقل ببطء ولكن على نحو مؤكد من «الإهمال التام» للبعد السياسي للمسألة الفلسطينية (1957- 1967)، إلى الاعتراف ب«الحقوق المشروعة» للفلسطينيين (1973)، والحاجة إلى «وطن» ل«الشعب الفلسطيني»، (1977)، وحقهم في «تقرير المصير»، الذي ينبغي تحقيقه من خلال المفاوضات ب«مشاركة منظمة التحرير الفلسطينية».سياسة الاستيطان
وقال خضر إن التطور الكبير الذي حدث في تلك الفترة هو «إعلان برلين 1999» الذي أوضح ان فلسطين تعيش جنباً إلى جنب مع «إسرائيل»، مع كون «القدس عاصمة الدولة الفلسطينية المستقبلية» وبيان الاتحاد الأوروبي 2009 الذي أدان «الاحتلال» «الإسرائيلي»، للأراضي الفلسطينية والسورية، وشجب «سياسة الاستيطان»، وكرّر ذكر الحاجة الملحة ل«حلّ الدولتين»، وأصرّ على ضرورة وجود «دولة فلسطينية مستقلة، قابلة للحياة، ومترابطة».
وأضاف خضر: تعرضت سياسات الاتحاد الأوروبي للهجوم من الاتجاهات المختلفة. وقد أنحى «الإسرائيليون» والعديد من اليهود والأوروبيين باللائمة على أوروبا بصورة متكررّة، بسبب «دبلوماسيتها المضخمة»، وبسبب «انحيازها» المزعوم «للفلسطينيين»، أو «التحوّل الموالي للعرب»، بينما سلّط العديد من الباحثين الفلسطينيّين والأوروبيّين الأضواء على «عجز سلطة» الاتحاد الأوروبي، والفجوة بين التوقعات والأداء الفعلي في سياسة التصريحات الأوروبيّة، وشجبوا إمّا «إخفاق الاتحاد الأوروبي» أو، حتى «الخيانة الأوروبية» لفلسطين.
وقال: المناقشة التي أجريها في هذه الورقة، أقل قسوة، وأحاول بالفعل، البرهنة على أن الاتحاد الأوروبي، على الرغم من سياساته المتضاربة وغير المترابطة (على سبيل المثال: التصويت الأوروبي المميّز في الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن رفع درجة الوضعية الفلسطينية في نوفمبر 2012)، فإن «بيانات الاتحاد الأوروبي، ساهمت في تعزيز المطالب المشروعة الفلسطينية، ولعبت دوراً فعالاً في الاعتراف بالحقوق الفلسطينية على نطاق عالمي».
وأضاف أن الاتحاد الأوروبي، ببقائه تابعاً مخلصاً للولايات المتحدة وشريكاً أقل مرتبة في عملية السلام، وبتقاعسه عن فرض إرغام غير عنيف على «إسرائيل»، على الرغم من انتهاكاتها المتكررة للقانون الدولي، وبالاكتفاء بتوفير عون مالي للفلسطينيّين في غياب الحل الدائم، أخفق في إبداء امتلاك هدف محدّد، وقيادة في الشرق الأوسط، وترك الولايات المتحدة في مقعد القيادة، في نهاية المطاف، بما لذلك من عواقب مأساوية من حيث استمرار الاحتلال «الإسرائيلي»، وتفشي الاستيطان الذي أدى إلى انهيار جميع خطط السلام.
المشروع الصهيوني
وقال محمد الظاهر خلال مناقشة ورقة خضر، هناك ارتباط بنيوي وجوهري وحيوي بين القضية الفلسطينية والعالم العربي. ففلسطين جزء من الوطن العربي والعالم الإسلامي، وهناك ارتباط راسخ ديني وقوي وثقافي وحضاري وجيو-استراتيجي بين شعبها وبين أمتهم العربية والإسلامية. وبالتالي هناك ارتباط قوي بين أزمة الأنظمة العربية وبين مأساة فلسطين؛ وهناك ارتباط حاسم بين البيئة الاستراتيجية العربية المحيطة بفلسطين وبين الوضع الفلسطيني. وباختصار، فلو كانت هناك بيئة صحية عربية قوية، لما وُجد الكيان الصهيوني في حالة تمدد.
وأضاف الظاهر أن خطورة المشروع الصهيوني لا تقتصر على فلسطين وحدها، ولكنها تهديد خطر للمنطقة العربية، خصوصاً تلك البلدان المحيطة بفلسطين. ولأن البيئة العربية الإسلامية التي يعيش المشروع الصهيوني في وسطها هي بيئة معادية له، فإن المشروع الصهيوني سعى إلى إبقاء هذه المنطقة ضعيفة ومفككة ومقسمة ومتخلفة، لأن أي حالة وحدوية ونهضوية في المنطقة قد تشكل تهديداً وجودياً ومصيرياً لهذا المشروع. وهذا سر التصريحات التي وردت على ألسنة العديد من القيادات «الإسرائيلية» باعتبار الثورات إن نجحت تشكل تهديداً وجودياً للكيان «الإسرائيلي». وعلى ذلك، يسعى الكيان «الإسرائيلي» إلى ضمان بقائه ومصالحه بكافة الطرق وأدوات الضغط على العالم العربي سياسياً وأمنياً واقتصادياً وعسكرياً.
وأكد أن مشروع تحرير فلسطين، لا يمكن أن يكون فلسطينياً فقط، إذ لا بد أن تتسع دائرة المسؤولية لتشمل الدائرة العربية والإسلامية. والمشروع الصهيوني هو مشروع عالمي مدعوم بقوى دولية، ولا تقوى أقدام الشعب الفلسطيني على تحمل أعباء مواجهته لوحدها. وإذا كنا أمام داخل فلسطيني محتل أو محاصر، وبيئة عربية محيطة مانعة أو معادية لبرامج المقاومة، أو عاجزة وضعيفة ومتوافقة مع الهيمنة الأمريكية في المنطقة.
وأكّد الدكتور مصطفى البرغوثي، في مداخله أثناء مناقشة ورقة «مستقبل القضية الفلسطينية في البيئة الدولية» ان المساعدات المالية التي يقدمها لاتحاد الأوروبي للسلطة الفلسطينيّة وهي 13% من ميزانية السلطة استخدمت لإعفاء «إسرائيل» من المسؤولية.
وتابع: في تطوّر ملحوظ واستراتيجي وفي خطوة بدت للكثيرين أنها مفاجئة وغير متوقّعة ان الشعب الفلسطيني يدفع 78% من ميزانيته وهذه خطوة كبيرة تجاه تحرير القرار الفلسطيني.
وقال إن الحصار لم يكن فقط على حكومة حماس بل كان اكبر على حكومة الوحدة الفلسطينية
أولويات العالم
أما محمد العربي قال في مداخلته إن الاستراتيجية القومية الأمريكية التي وضعها أوباما عام 2010، تشير إلى أن القضية الفلسطينية لا تحتل المرتبة الأولى في هذه الاستراتيجية حيث نجد أن الأهداف في هذه الاستراتيجية تتمثل في ثمانية أهداف مركزية هي: الأمن «الإسرائيلي»، العراق، إيران، الدولة الفلسطينية، منع انتشار الأسلحة النووية، الإرهاب، الوصول لمصادر النفط، دمج الإقليم في السوق العالمي.
وأضاف في ظل المأزق الذي تعيشه الأطراف الفلسطينية من العجز السياسي والمالي للسلطة الفلسطينية من ناحية واستمرار الانقسام، لم تحظ القضية الفلسطينية بالاهتمام الذي تستحق في سنة 2012، حيث كانت أولويات العالم وشعوب المنطقة.
وقال المجموعة الأوروبية أكثر تذمراً من السياسات «الإسرائيلية» قياساً بالولايات المتحدة.
وحذّر الدكتور عصام بن علي الرواس في مداخلته، من الوضع المتفجّر في الساحة الداخلية الفلسطينية والمعاناة اللاإنسانية التي يتعرض لها ملايين الفلسطينيين، موضحاً أن استمرار الوضع الراهن سيأتي بعواقب وخيمة على القضية الفلسطينية.
ويرى الدكتور عبدالحسين شعبان في مداخلته، أن وحدة الموقف العربي، تمثل عنصراً رئيسياً في التوصل إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية.
وتابع: «لا يعني إسقاط الثوابت تجاه القضية الفلسطينية أو أن هناك تغيراً فيما يتعلق بمسار العمل العربي تجاه القضية»، موضحا أن الجانب الفلسطيني مطلوب منه الوحدة حتى يكون هنالك موقف عربي موحد.