ضمن جلسات مؤتمر «مستقبل المشروع الفلسطيني»
أكد مصطفى البرغوثي الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية، أن دولة الاحتلال «الإسرائيلي» تمارس التمييز العنصري ضد الشعب الفلسطيني، مشدداً على أهمية تغيير ميزان القوي الفلسطيني حتى يحصل الشعب الفلسطيني على حريته ويستطيع بناء وطن يحقّق للفلسطينيين كرامتهم وازدهارهم وسعادتهم وحريتهم.
واستهل حديثه في الجلسة الأولى التي عقدت تحت عنوان: «المشروع الفلسطيني.. إلى أين»، ضمن فعاليات المؤتمر السنوي السابع عشر لمركز «الخليج» للدراسات الذي عقد بمؤسسة دار الخليج للصحافة والطباعة والنشر تحت عنوان: «مستقبل المشروع الفلسطيني» التي أدارها الدكتور محمد حسين الشعالي، بالحديث حول التطور التاريخي للمشروع الفلسطيني.
قال: «نحن نلتقي اليوم في ظل إضراب باسل ل 2000 أسير فلسطين عن الطعام منذ أكثر من 18 يوماً ومستعدون للمخاطرة بحياتهم، وفي ظل نهوض شعبي للمقاومة الفلسطينية في أنحاء فلسطين». وتابع: «المشروع الفلسطيني مرّ بثلاث مشاريع وطنية هامة، بدأت المرحلة الأولى منه منذ بدايات القرن العشرين مع بدء الغزوة الصهيونية لفلسطين حتى عام 1967 وكان خلالها الموقف الفلسطيني والعربي يعتبر أن فلسطين عربية من النهر إلى البحر، وكان المشروع يهدف إلى تحرير فلسطين باستثناء فئة صغيرة دعت إلى قبول مشروع التقسيم 1948، والتي أعطت «لإسرائيل» 54% من مساحة فلسطين، و44% للفلسطينيين الذين كانوا يملكون فعلاً في تلك اللحظة 93 % من مساحة الدولة، وكانت مدينة يافا جزءاً من دولة فلسطين». وأكد أن مشروع التقسيم هو الذي أعطى الشرعية «لإسرائيل»، ولكن غالبية الفلسطينيين رفضوا المشروع، وأكدوا مواصلة تحرير فلسطين، كما أن «إسرائيل» لم تقبل بالمشروع أبداً على عكس الادعاءات التي روجت لذلك.
وهناك نقطة تاريخية هامة أن «إسرائيل» أشاعت أنها وافقت على مشروع التقسيم في حين رفضه العرب، وهذا لم يحدث ولم تقبل «إسرائيل» يوماً بمشروع التقسيم بحسب كثير من الوثائق «الإسرائيلية» بما فيها وثائق بن جوريون، وذلك لإعطاء شرعية للنكبة، مؤكداً أنه في الواقع أن «إسرائيل» كانت ستقوم بالنكبة سواء قبل العرب مشروع التقسيم أو رفضوه.المرحلة الثانية
وشملت المرحلة الثانية 1968 – 1988 وحدث تغير مع إنشاء حركة فتح، والمنظمات الفلسطينية الأخرى، عندما أصبح مشروع الدولة الديمقراطية ولم تقبله «إسرائيل» وهي أن يعيش الفسطينيّون واليهود في دولة واحدة في كل فلسطين، «العداء للصهيونية وليس لليهود».
ولكن بعد ذلك وبفعل الضغوط الدولية التي مورست على الفلسطينيين، وبعد عدوان 76 جاء المشروع الثالث الذي بدأ عام 74 من بعض الفصائل وأقرّته منظمة التحرير الفلسطينية عام 88 واستمر حتى اليوم، وهو مشروع الدولة الفلسطينية المستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة بما في ذلك القدس.
وما يلفت النظر أن الفلسطينيين هنا يقبلون بدولة لا تتجاوز 22 % من مساحة فلسطين مع ضمان حق العودة والقدس عاصمة لفلسطين. ومع ذلك وعلى الرغم من هذا القبول الذي تكرس في اتفاق أوسلو 1993 اعترفت منظمة التحرير «بإسرائيل»، في حين لم تعترف «إسرائيل» إلا بمنظمة التحرير كممثل للفلسطينيين، وظن البعض أن ذلك سيؤدي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة، ولكن ماذا كانت النتيجة؟ المفاوضات بدأت عام 1991 في مدريد لسبب واحد أن الفلسطينيين في الداخل قاموا بثورة قوية اسمها الانتفاضة الشعبية، وهذه الانتفاضة الشعبية الأولى غيرت موازين القوى مما اضطر «إسرائيل» إلى الجلوس والتفاوض.
وأوضح لماذا لم يقبل مشروع دولة فلسطين من «إسرائيل»، فقال: «وجدنا شيئاً غريباً أن الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات حينما ذهب إلى أمريكا ليجلس مع رئيس وزراء «إسرائيل» بحضور كلينتون عرض عليه دولة بدون حدود، وبدون القدس ومحيطها، وسيطرة «إسرائيل» على الحدود بسبب وجود المستوطنات، وبعد ذلك شارون طور الفكرة أكثر وجاء بفكرة إضافة مناطق كثيرة إلى الكيان الصهيوني، ثم بعد ذلك جاء مشروع نتنياهو وحكومته، وهو عدم المشروع ولا دولة على الإطلاق، مما يؤكد أن هناك أزمة في المشروع الثالث.
أخطاء قاتلة
وأكد أن الانتفاضة الأولى كان بالإمكان أن تزيل الاحتلال، ولكن تم تضييع نتائجها بأخطاء اتفاق أوسلو وهي أخطاء أربعة: الاعتراف غير المتكافئ بمعنى الاعتراف «بإسرائيل»، دون اعتراف «إسرائيل» بالدولة الفلسطينية، بل الأخطر من ذلك أن الاعتراف «بإسرائيل» دون تحديد الحدود، وهي الدولة الوحيدة في العالم التي لم تحدّد حدودها حتى الآن.
الخطأ الثاني كان جزئياً دون تحديد النتائج النهائية. أما الخطأ الثالث فكان أن أجل كافة القضايا الأساسية مثل قضية اللاجئين، وحق العودة، أو قضية الاستيطان، أو الحدود أو المياه. ورابعاً عدم وقف الاستيطان.
المشروع الصهيوني
وبالمقابل المشروع الصهيوني بدأ بالادعاء بقبول التقسيم ثم إعلان دولة «إسرائيل» عام 1948، ثم احتلال الضفة والقطاع وادعاء قبول حكم ذاتي، وأخيراً لا مكان لدولة فلسطينية.
وتساءل:»لماذا يكون موضوع الاستيطان موضوعاً جوهرياً؟ إذا نظرنا إلى الواقع ستظهر الحقائق، حيث قسم مشروع أوسلو منطقة الضفة إلى ثلاث مناطق، منها مناطق يجب أن تكون تحت سيطرة السلطة الفلسطينية، وزالت هذه السيطرة عندما عاد شارون واحتل جميع المناطق ومنذ تلك اللحظة لم يعد هناك سيطرة أمنية حيث إن الجيش «الإسرائيلي» يدخل إلى أية مدينة وقتما يشاء، بما في ذلك قلب مدينة رام الله، مشيراً إلى أن الجيش «الإسرائيلي» دخل مركز أبحاث في مدينة رام، وتم تدمير جميع الحواسب الموجودة وجميع الأجهزة الإلكترونية في الساعة الرابعة صباحاً، ولم يقل أحد شيئاً، وبعدها بشهر دخلوا مرة أخرى واغتالوا شاباً فلسطينياً اسمه باسل، مشيراً إلى أنه لا توجد مدينة فلسطينية لا يدخلها الجيش «الإسرائيلي» وقتما شاء.
فهي كلها مناطق مقطعة الأوصال، وعدد الحواجز فيها حوالي 140 حاجزاً عسكرياً، و152 حاجز مستوطنة، 120 نقطة استيطانية جديدة، إضافة إلى جدار الفصل العنصري، كلها تجسد ما تبقي 225 جزيرة معزولة في الضفة الغربية.
وهناك منطقة ج، وهي 62% من الضفة الغربية، هذه كلياً موسعة للاستيطان «الإسرائيلي»، بمعني 38% من الضفة للسلطة الفلسطينية، لو تحدثوا عن الحكم الذاتي 62% «لإسرائيل».
وأكد أن الاستيطان كان السلاح الجوهري للكيان الصهيوني، فالآن يريدون أن يشرعوا اغتصاب الأراضي الفلسطينية بحجة الاستيطان.
طرق عنصرية
وأشار إلى أن هناك داخل الضفة الغربية توجد طرق عنصرية يحرم على الفلسطينيين السير فيها، وإلا تعرضوا للاعتقال، وهذه الطرق العنصرية لا توجد في أية دولة في العالم إلا في الدول العنصرية، مؤكداً أن الاحتلال الصهيوني تحول إلى نظام عنصري.
المشروع الفلسطيني المعاصر
وأوضح أن المشروع الفلسطيني المعاصر لا بد أن يحتوي على أربعة عناصر، أن هذا المشروع ليس فقط مشروع حقوق وطنية ومساواة وعدالة؛ بل إزالة تمييز قومي وجغرافي.
والشعب الفلسطيني لا يجزأ، وقضية الشعب الفلسطيني، يجب أن تمس جميع مكوناته سواء في الداخل أو الخارج، أو الأراضي المحتلة، ويجب أن تتجاوز الحركة الفلسطينية أخطاءها،
والأمر الثالث بعد تجربة 26 عاماً من المفاوضات يجب أن ندرك أن ميزان القوي هو الذي يقرر النتائج، وليس المهارة التفاوضية أو الاتكال على الآخرين وانتظار أن تأتي أمريكا أو الاتحاد الأوروبي ويحل المشكلة.
ورابعاً نحن الآن لسنا في مرحلة حل مع «إسرائيل»، بل نحن في مرحلة صراع وكفاح لن نستطيع أن تصل إلى حل سواء بالتفاوض أو غير التفاوض إلا بتغيير ميزان القوى.
السلطة الفلسطينية ليست بديلاً للدولة، وجوهر الانقسام القائم هو صراع على سلطة تحت الاحتلال، صراع على الحكم وهم محكومين.
أربعة مؤشرات خطيرة
ولفت ألى أربعة مؤشرات خطيرة خلال لقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، منها التنسيق الأمني مع «إسرائيل» – وكيل أمني – وتسهيلات اقتصادية في ظل الهيمنة «الإسرائيلية»، كما تحدث ترامب حول ليس بالضرورة حل الدولتين هو الحل، وإنما حكم ذاتي على قطعة أرض من الضفة الغربية لا تتجاوز 38% مع فصل كامل عن قطاع غزة، كما أشار ترامب إلي أهمية مراجعة كلمة التحريض التي يهدف من خلالها، والمقصود قتل الفكر الوطني المقاوم، وقطع رواتب عائلات أسر الشهداء والأسرى داخل السجون.
وشدد على أهمية إعادة بعث المشروع الوطني الفلسطيني.
5 وسائل محددة
وعنوان المشروع الوطني الفلسطيني يجب أن يكون تغيير ميزان القوي» وذلك عن طريق 5 وسائل محددة تشمل المقاومة وتصعيدها في فلسطين، والتركيز على دعم وصمود وبقاء الشعب الفلسطيني على أرض فلسطين للإبقاء المعادلة الديموجرافية 6 ملايين فلسطيني، مقابل 6 ملايين «إسرائيلي»، وإسناد حركة المقاطعة، وإعادة تكامل الشعب الفلسطيني، وإنجاز الوحدة الوطنية، وإنهاء الانقسام.
يتابعوننا من فلسطين عبر حسابات الخليج
عقّب الباحث الدكتور مصطفى البرغوثي خلال المؤتمر السنوي السابع عشر لمركز الخليج للدراسات، على أهمية وسائل التواصل الاجتماعي الموثوقة منها، في نقل الرسائل والأحداث حول العالم خلال وقت قصير، مشيراً إلى أنه وردته اتصالات من فلسطين تؤكد مشاهدتهم مقتطفات من المؤتمر، عبر حسابات جريدة «الخليج» الخاصة عبر مواقع التواصل.
مداخلات
شهدت الجلسة مداخلات ثرية زادتها زخماً وتفاعلاً متنوعاً من جانب الحضور، ما زادها اهتماماً، حيث أكد محمد ذياب الموسى، خلال مداخلته على أهمية الدور الذي تلعبه دولة الإمارات في نصرة القضية الفلسطينية، بقناعة تامة، تكاد تكون الدولة الأولى التي تحمل الهم الفلسطيني، وتقدم الدعم المطلق لكل العرب.
وفي مداخلة الدكتور جاسم المناعي، شدد على أهمية إنهاء الانقسام الفلسطيني إذا أردنا حل القضية الفلسطينية، وإعطاء فرصة أكبر للتقارب وتوحيد الجهود، ومن أجل إضافة أهمية كبرى للدور العالمي لحل القضية الفلسطينية.
ووجه الدكتور أنور بن مسلم، الشكر لجريدة الخليج على استمرارية هذا الملتقى السنوي لما يضمه من نخبة من المفكرين والمثقفين على مستوى العالم العربي، وتطرق إلى نقطتين لماذا المشروع الفلسطيني لم يحالفه الحظ، ولِمَ كل هذه الإخفافات، كما تطرق إلى أن هناك 6 ملايين فلسطيني خارج الدولة ما هو دور هذه الفئة؟ وهل هناك مشروعات وخطط مستقبلية لاستقطاب تلك الكفاءات من الشباب والمفكرين المهاجرين والاستفادة منها.
طرح الدكتور علي فخرو سؤالاً مباشراً إلى الدكتور مصطفى حول إمكانية قيام حركة شعبية فلسطينية تتخطى الانقسامات، وتكون متواجدة داخل الكيانات الفلسطينية داخلياً وخارجياً تتناغم مع كافة الكيانات التي توجه الكيان الصهيوني، مشدداً على أن من المستحيل أن تغيير الوضع من دون ذلك. ورد الدكتور مصطفى البرغوثي بأن المشروع الوطني الفلسطيني يهدف إلى إزالة الاحتلال «الإسرائيلي» الصهيوني، وتحقيق حق العودة للفلسطيني وتحقيق المساواة الكلية والمدنية على الأراضي الفلسطينية، مشدداً على أهمية إنهاء الانقسام تحت قيادة وطنية واحدة كأهم العناصر الرئيسية لتشكيل ميزان القوى.
الدكتور محمد عمران وجه الشكر إلى جريدة الخليج على هذا النهج الطيب لمناقشة القضية الفلسطينية، وشدد على أهمية أن تنجح القضية الفلسطينية وينال الشعب الفلسطيني حريته وكرامته. وشدد على أهمية تغيير موازين القوى وقال هذا شيء كنا نتمناه، ونقف مع الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية التي هي دائماً في وجداننا، ولا نتأخر إذا كنا نستطيع أن نقدم ما يجب أن نقدمه إلى الشعب الفلسطيني.
والسؤال كيف نغير موازين القوى والآليات ونسأل هل تستطيعون أن تغيروا موازين القوى للشعب الفلسطيني مدعوماً بآليات واقفة مع القضية الفلسطينية. والسؤال الثاني ما هو المبرر الذي دعا لتغيير حركة حماس نهجها هل هو خذلان من الدول الداعمة لها أم هل رأت أنها وحيدة لا يوجد من يدعمها فأرادت أن تعود إلى الحضن الفلسطيني، وهل منظمة التحرير الفلسطينية تبنت فكرة حماس وتريد أن تحتضنها، وهل من اليقين أن تقوم منظمة التحرير بالمساعدة على إرجاع حماس إلى الفلسطيني.
وقالت سامية محمد، من المهم أن نغفل الجانب المشرق للجانب الفلسطيني في الداخل الذين سطروا بأحرف من الفخر التمسك بالأرض والشباب في الخارج الفلسطيني، ويجب التركيز عليهم في دعم التراث والتاريخ الفلسطيني لأن «إسرائيل» إضافة إلى سرقة الأرض فإنها تسرق التاريخ والتراث، وهي فرصة لدعم الصمود الفلسطيني.
وقالت الشاعرة مجد يعقوب، إن الثورة الفلسطينية التي هي من أقدم وأعرق ثورات التاريخ المعاصر انتقلت من الشوارع والحراك الشعبي ونضال الخنادق إلى المكاتب ونضال الأوراق.