في جلسة «عروبة القضية .. عروبة الحل»
قال الدكتور عبد الإله بلقزيز أستاذ الفلسفة بجامعة الملك الحسن الثاني في الدار البيضاء، رئيس مجلس أمناء منتدى الشباب العربي، إن أهمية ورمزية القضية الفلسطينية يأتي من كون التفكير في القضية الفلسطينية يتقاطع مع تحديد مستقبل وهوية الأوطان العربية.
جاء ذلك خلال مشاركته في جلسة بعنوان «عروبة القضية.. عروبة الحل»، أمس، ضمن فعاليات المؤتمر السنوي السابع عشر لمركز دار الخليج للصحافة والطباعة والنشر تحت عنوان «مستقبل المشروع الفلسطيني».
نبَّه بلقزيز إلى ضرورة التفريق بين تعريف الصراع في المنطقة هل صراع عربي- صهيوني أو فلسطيني -«إسرائيلي»، فضلاً عن الفصل التاريخي بين القضية الوطنية الفلسطينية والقضية القومية العربية، حقبة امتدت منذ حرب 1948 وحرب أكتوبر 1973، ثم وقفت بعد ذلك على ثلاث مراحل، الأولى عقب حرب أكتوبر مباشرة وبالتحديد المفاوضات التي انتهت بمفاوضات فض الاشتباك، ثم مفاوضات السادات مع «إسرائيل» ثم كامب ديفيد ثم حرب الخليج والغزو العراقي على الكويت، والمرحلة الثانية منذ مؤتمر مدريد أي منذ انتهاء الحرب على العراق، وتمتد زمناً حتى احتلال العراق سنة 2003، والمرحلة الثالثة بدأت مع احتلال العراق وتمتد إلى اليوم ولا يتوقع أن تنتهي في القريب العاجل.
وأشار أستاذ الفلسفة إلى أن هناك ما يشبه العد التنازلي دخلته الدول العربية منذ عام 1974 والذي كانت سمته الرئيسية التحلل التدريجي من الالتزامات القومية العربية تجاه الصراع العربي الصهيوني والقضية الفلسطينية، وهذا العد التنازلي جاء ثمرة اتفاقات إذعان مع الكيان الصهيوني مثل اتفاق كامب ديفيد وأوسلو وتلك التي دشنها اتفاق مدريد واتفاقات التطبيع التي جرَّت علينا ولوج الكيان الصهيوني واختراقه لخمس عواصم عربية، كذلك تراجع القضية الفلسطينية وانزياحها من على جدول أعمال الدول العربية، ولم تعد محط إجماع عربي سواء على مستوى الحكومات أو المستوى الشعبي، حتى مؤسسات المجتمع المدني والتي تشتغل الآن بحقوق الإنسان وحقوق المرأة وحقوق المستهلك إلا حقوق الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، لأن اهتمامها وجدول أعمالها مرتبط بجدول أعمال القوى التي تمولها، معلقاً على انكفاء الدول العربية كل منها على ذاتها والمناداة بأن تكون الأولوية لشؤونها الداخلية، كالقول إن مصر أولاً والمغرب أولاً، وإن من ينادي بذلك فسوف ينادي إن «إسرائيل» ثانياً.
واستنكر رئيس مجلس أمناء منتدى الشباب العربي كون الشخصية الفلسطينية كانت مقدسة فأصبحت الآن موضع شبه ومن اختصاص أجهزة الأمن، مؤكداً أن جوهر حل القضية الفلسطينية يرتكز على عودة اللاجئين والتي تعد قضية عربية في المقام الأول وليست مسؤولية الرئيس أبي مازن أو أبي عمار (ياسر عرفات)،رحمه الله، وهي مسؤولية دول الجوار مصر وسوريا ولبنان وهم شركاء في الصراع من أجل القضية الفلسطينية، كاشفاً دور ثلاث قوى إقليمية كبرى ومشروعاتها التوسعية هي الاحتلال الصهيوني، المشروع العثماني التركي، وكذلك المشروع الإيراني، وأنه يمكن فتح قنوات حوار مع الأتراك والإيرانيين لوقف التدخل في الشؤون الداخلية العربية بينما لا يمكن هذا مع المحتل الصهيوني.
وجاءت مداخلة الدكتور غازي أبو ذكر مؤكداً أن المشروع الفلسطيني يمكن اختزاله في غزة بكل ما يجري فيها، وأن محاولات مستمرة لتدمير روح المقاومة والمشروع الفلسطيني في غزة مما أضحى حقيقة لا يمكن لأحد أن ينكرها، مثنياً على حمل السلاح في مواجهة أعتى القوى الصهيونية، وتعرضت غزة لثلاث حروب قاومتها ببسالة وشجاعة، وهي إن لم تنتصر فإنها صامدة من حيث أريد لها أن تنهزم.
ومن جانبه علق الدكتور أسامة إبراهيم بأن هناك التباساً في السياسات العربية سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي وحتى مستوى جامعة الدول العربية، فأحياناً تلوح بأن المشروع الصهيوني يهدف إلى تفكيك الأمة ثقافياً وجغرافياً وأحيانا أخرى يصدرون بيانات وتصريحات بأننا على استعداد لقبول دولة «إسرائيل» وأن تعيش جنباً إلى جنب مع الدولة الفلسطينية، مطالباً الأمة العربية والجامعة العربية أن ترتفع بسقف مطالبها وليس أن تنخفض بسقف مطالبها، فبدلاً من القول إنه يجب على «إسرائيل» أن تنسحب إلى حدود ما قبل 1967 لكن إلى حدود ما قبل 1948.
كذلك جاء تعقيب الدكتور محمد المعزوز من جامعة محمد الخامس والمستشار في الاتحاد الأوروبي، على ما قاله بلقزيز من خطورة الانكفاء على الذات والاهتمام بالشؤون الداخلية لإيجاد مبرر للتخلي عن القضية الفلسطينية وإنزالها من قمة الأولويات إلى المرتبة الثانية أو ربما أقل من ذلك في جدول الأولويات، مشيراً إلى اعتراف هنري كسينجر المسؤول الأمريكي الأشهر عندما ذكر في مذكراته أنه قال إنه يتمنى أن يستمر العرب في فخ الحكاية، وفي فخ سرد تاريخ القضية الفلسطينية، كما توقف عند مسألة الحكي وسرد تاريخ القضية الفلسطينية والصراع العربي «الإسرائيلي»، مطالباً بأن يغير الدول العربية من استراتيجيتهم في الاهتمام بتلك القضية عبر الحكي والسرد فقط لأن «الإسرائيليين» توقفوا عن ذلك وتجاوزوا مرحلة الحكي والسرد، لكنهم يرتكزون على مشروع استيطاني يقوم على التنمية.
وخلال الجلسة علق الدكتور جميل مطر على ما ذكره بلقزيز من أن الشخصية الفلسطينية أصبحت اختصاص أجهزة الأمن قائلاً إن كل مواطن عربي هو من اختصاص أجهزة الأمن وليس الفلسطيني فقط، وإنه يجب التفكير في كيفية أن نخرج الفلسطيني من تلك الدائرة وهذا الوضع، مطالباً بأن نوجد إطاراً جديداً للتفكير في القضية الفلسطينية بين اتجاهين يمثلان المصلحة الداخلية والمصلحة القومية التي من الممكن أن تخدم تلك القضية، مرجحاً إعلان حلف يقوده الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب خلال زيارته إلى السعودية و«إسرائيل» بناء على تسريبات في واشنطن وقد طالب ترامب بأن يكون هناك دور للسلطة الفلسطينية في هذا الحلف.
وجاءت مداخلة الدكتور خليفة راشد الشعالي مستنكراً الحال الذي وصلت إليه القضية الفلسطينية ومستوى الدعم الذي تناله على المستوى العربي في ظل عدم وجود حلم عربي واحد ومطلب موحد وفي ظل انكفاءات داخلية، وعلى الجانب الآخر الدعم شبه المطلق والذي تلقاه «إسرائيل» من قبل أمريكا، حيث إن المشروع الصهيوني هو مشروع أمريكي بالدرجة الأولى، وأمن «إسرائيل» يأتي دائماً أولاً.
ومن جهته طالب الدكتور عبد الحسين شعبان المفكر العراقي، برد الاعتبار للقضية الفلسطينية بمفهومها الشمولي وليس باعتبارها أجزاء تتعلق بالحدود أو القدس أو عودة اللاجئين، يجب التعامل معها كمنظومة وكل لا يتجزأ، وهو ما يحتاج إلى حوار دولي وحوار شعبي وحدود داخلي بين الدول العربية، مذكراً بأن الاستيطان قضية مهمة يمكن العمل عليها على المستوى الدولي لإعادة القضية الفلسطينية إلى بؤرة الاهتمام والأضواء، نافياً صحة المقولة التي تقول إن السياسة برجماتية لكنها منذ القديم تقوم على ترابط المصالح.